المنهجية في طلب العلم

كيفية التأصيل والتدرُّج في علم التوحيد

  • الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
  • 21/01/2024
  • 434
كيفية التأصيل والتدرُّج في علم التوحيد

 التوحيد قسمان: 

القسم الأول: العقيدةُ العامة.

القسم الثاني: توحيدُ العبادَة.

   هذا تقسيمٌ للتوحيد من حيث هو علمُ العقيدةِ العامة، أُلِّفَت فيها كتب، منها: «لمعة الاعتقاد»، ومنها «الواسطيةُ» لشيخ الإسلام ابن تيمية، ومنها «العقيدةُ الطحاوية»، ذُكرتْ فيها مباحثُ الاعتقادِ كلِّها، مثلُ:

 الإيمانِ بالله وأسمائِه وصفاتِه وربوبيتِه، وما يتعلقُ بذلك من الإيمانِ بالملائكةِ، والإيمانِ بالكتبِ، والإيمانِ بالرسلِ، والإيمانِ باليومِ الآخرِ، وأحوالِ القيامةِ وأحوالِ القبرِ والبعثِ، وما يحصلُ في عَرَصاتِ القيامةِ الجنة والنار، والقَدَرِ وما يتعلقُ به، ثم يذكرون الاعتقادِ من الكلام في الأولياءِ وكراماتِهم، والكلامِ في  الصحابة - رضوان الله عليهم -، والكلامِ في الإمامةِ وحقوقِها، والكلامِ في الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، والكلامِ في الأخلاق، ونحوِها؛ كما ذكر ذلك شيخُ الإسلامِ في آخرِ "الواسطية".

 هذه تسمى عقيدةً عامةً. 

  عقيدةُ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ هذه تأخذُها بالترتيب:

 تبدأٍ بكتابٍ مختصرٍ، تقرأُ على شيخِ التفسيرِ ما تَحتاجُ أن تقرأَه، فإذا أشكلَ عليك شيءٌ، فسلْ فيه، أو عنه.

1- أمَّا التَّوحيدُ فلا بدّ من قراءتِه.

2- تأخذُ مختصرًا مثل "لـمعة الاعتقاد".

 إن حفظتَها فحَسَنٌ وهو المرادُ، وإن لم يتيسرْ لك حفظها فكررْها حتى تفهمَ مباحثَها. 

 من الأغلاطِ التي تواجِهُ طلابَ العِلمِ:

 أنهم يأخذونَ كتابًا دون أن يستعرضوا مباحثَه وأبوابَه، فلا يعرفونَ إلا الموضعَ الذي وصلَ المعلمُ إليه.

وهذا غَلَطٌ؛ بل الواجبُ أن يعرفوا مسائلَ الكتابِ ومباحثَه.

"لمعةُ الاعتقاد" تمرُّ عليها من أولها إلى آخرها، تعرفُ ترتيبَها والمسائلَ التي تعرَّض المؤلف لها، ثم بعد ذلك تقرؤُه على معلمٍ أو شيخٍ.

-  إذا شرحَه لك المعلمُ، وقررَ عليه تقريراتٍ كتبتَها.

- وبعد ذلك اضبطْه، فإذا ضبطتَ هذا الشرحَ، وعرفتَ من نفسِك وأنِسْتَ أنك أحكمتَه:

3- تنتقل بعده إلى «الواسطية».

كيف يَعرف الطالب بأنَّه قد أحكمَ فهمَ الباب؟

  بعضُ الناسِ يقرأ فإذا أتى يعبّرُ عما قرأ:

- إمّا أن يعبّرَ بعبارةٍ غير علميةٍ.

- وإمّا أن يعبِّرَ خطأً على غيرِ المرادِ، بسبب فهمه الخاطئ.

  مثلًا قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في أول «الواسطية»: (هذا اعتقادُ الفرقةِ الناجيةِ من أهل السنةِ والجماعةِ).      

  تبدأ تشرحُ:

 مَنْ هم الفرقةُ الناجيةُ؟

 مَنْ هم أهلُ السنةِ والجماعةِ؟

حتى تعرفَ من نفسِك أنك أدركتَ معاني هذا الكلامِ.

مثلًا، صفةُ العلوِّ لله - جلّ وعلا -، والاستواءِ على العرش:

 تذكر ما تعرّض له الشارحُ من المسائلِ، ولا تكتفي أن تأخذَها سماعًا أو قراءةً؛ متحَدثًا أنك قرأت «الواسطية»! هذا لا يحصُل معه العلمُ!

 لابدَّ أن تدرسَ وتذاكرَ، وهذا الذي يسميه أهلُ العلمِ (معارضةَ العلمِ)، و(مدارسةَ العلمِ)، و(مذاكرةَ العلم)، له ثلاثةُ أسماء.

  يستعملُ أهلُ الحديث له لفظَ المذاكرةِ، يقول: ذاكرتُه بكذا.

 كما مرّ في بعضِ أخبارِ الإمامِ أحمدَ: أنه صلّى العشاءَ هو وأبو زُرعةَ الرازيُّ، عبيدُ اللهِ بنُ عبدِ الكريمِ، صلّيَا العشاءَ معًا، ثم دَخَلا إلى المنزلِ، فما زالَا يتدارسانِ إلى أذانِ الفجرِ.

 مكثا الليلةَ يتذاكرانِ. كيف يتذاكرانِ؟

  هذا يذكرُ إسنادًا، وذاك يذكرُ المتنَ، وآخرُ يذكرُ شرحَ المتنِ، وكلام العلماءِ عليه من فقهٍ وغيرِ ذلك.

وفي هذا تثبيتٌ للعلمِ.

أما أنْ تحضرَ عند الشيخ أو المعلِّم، وتسمعَ، وتذهبَ، وعهدُك به آخرُ ما سمعتَه!

 هذا لا يحصّلُ علماً.

  علامةُ فهمِك: عند إغلاقِ الكتابِ تبدأ تشرحُ، وتوضِّحُ المسائل.

- إذا كنتَ فاهمًا مئةً في المئةِ: لن يكون في ذهنك اشتباهٌ.

- أمّا إذا كان فهمُك ناقصًا، أو مضطربًا، أو مشوّشًا: ستلاحظُ أنك في أثناء الشرحِ في هذه الكتب الأساسيةِ: أنك تلعثمت، واضطربتَ، لا تعرفُ كيف تعبر! اختلطتِ المسألةُ، مع أنّك كنتَ حين أمررتَه كنتَ فاهمًا له!

 ولكن (عند الاختبار: يكرمُ المرءُ أو يُهانُ).

 فأنت بالنظر إلى نفسِك: تعرفُ أنك فاهمٌ أو لستَ بفاهمٍ.

 فإذا ما استطعت أن تشرحَ هذا المقطع أو تلك الجملةَ: فمعنى ذلك أنّك تحتاجُ إلى إعادتها، فلا تنتقلُ إلى ما بعدَها إلّا بعدَ إحكامها. 

ومن الحسنِ في طلبِ العلم: أن تتخذَ لك صاحبًا واحدًا، ولا تكثر الأصحابَ.

 فهذا الصاحبُ تراجِعُ معه العلمَ، تشرحُ له ويشرحُ لك، تبين له خطأَ فهمِه ويبينُ لك خطأَ فهمِك، فيُكَمِّلُ أحدُكما الآخرَ.

4- إذا انتهيتَ من فهم «الواسطية» تنتقل إلى «الحَمَوية»، أو إلى «شرح الطحاوية».

5- وإذا فهمت «الواسطية» تمامًا: تستطيعُ أن تأتي لكتب شيخ الإسلام تمرُّ عليها فتفهمها - بإذن الله تعالى-.

  لكن من العجبِ أن يأتي بعضٌ منّا ويفتحَ "مجموعَ الفتاوى"، ويقرأَ فيها، وهو ما أحكمَ أصولَ علمِ الاعتقادِ!

 يقرأُ وهو في ملل، ما عنده إلا عَشْرُ دقائقَ أو ربعُ ساعةٍ = قال: نقرأُ في مجموع الفتاوى، يفتحُ ويقرأ، ثم بعد ذلك يجادل في بعضِ المسائلِ، وهو ما فَهِمَها أصلًا؛ لأنه قرأ وهو متعجِّلٌ!

 يأتي يقولُ: قال شيخُ الإسلام: كذا.

 وإذا راجعتَ وجدتَ أنّ شيخَ الإسلامِ ما قاله!

السبب في ذلك:

 أولًا: لأجل أنه مستعجلٌ، أعطاه وقتًا قصيرًا، وما أعطاه حقَّه. هذا ليس بجيد.

 ثانيًا: لأجلِ أنّه ما عنده أصولُ تلك المسألةِ، فيكون فهمُه لكلامِ العلماءِ ليس بقوي.

الأعظمُ من ذلك ألّا يكونَ أحكمَ فهمَ «الواسطية»، أو «الحَمَوية»، أو «لمعة الاعتقاد»، ثم يقرأ في كتب السلف، كـ «السنةِ» لعبد الله ابن الإمام أحمد، و«الإيمان» لابن مَنْدَه، و«التوحيد» لابن خزيمة، و«التوحيد» لابن مندَهْ، ونحو ذلك من الكتبِ الكبار، التي ليستِ المسائلُ فيها مؤصَّلة كما أُصّلت في كتبِ المتأخرينَ.

 لكن إذا أُصِّلَتِ المسائلُ، ثم قرأت في تلك الكتبِ: يكون استدلالُك بكلام السلف على أتمِّ وجهٍ.

 فتعرفُ في المسألة:

1- معناها.

2- ومرادَهم بها.

3- ومحترزاتِها.

4- وما تحوي من أمثلة. 

ذلك مثل الكلمةِ التي في أول «لمعة الاعتقـاد»:

 قـال صاحبُ "اللمعة" في الإيمان بالأسماء والصفات:

(بلا كيفٍ، ولا معنى).

 تفهم ذلك في ضوء ما ذكرت لك.

شارك المقال